تخميس البردة
قَد قُلتُ للقَلبِ لمَّا هَاجَ مِن أَلَمِ
وَمَالَ أَهلُ الحِمَى وَالرَّسمِ وَالعَلَمِ
وَالنَّفسُ هَائِمَةٌ، والجَفنُ لَم يَنَمِ
أَمِن تَذَكُّرِ جِيرَانٍ بِذِي سَلَمِ • مَزَجتَ دَمعًا جَرَى مِن مُقلَةٍ بِدَمِ
إِلَى الَّذِي حُبُّهُ فِي الوَجدِ يَضطَرِمُ
وَالجِسمُ مُنسَقِمٌ، والدَّمعُ مُنسَجِمُ
وَاللُّبُ مِن أَجلِهِ فِي الهَمِّ مُنكَظِمُ
أَيَحسِبُ الصَّبُّ أَنَّ الحُبَّ مُنكَتِمُ • مَا بَينَ مُنسَجِمٍ مِنهُ ومُضطَرِمِ
أَمسَت دَيَاجِي اللِّقَا بالوَصلِ مُقمِرَةً
وَمُذ نَأَى صَارَت الدُّنيَا مُكَدَّرَةً
دَعنِي، فَنَارُ الأَسَى فِي القَلبِ مُسعِرَةً
يَا لَائِمِي فِي الهَوَى العُذرِيِّ مَعذِرَةً • مِنِّي إِلَيكَ وَلَو أَنصَفتَ لَم تَلُمِ
يَا سَيِّدِي هَا أَنَا قَد جِئتُ مُبتَهَِلا
والنَّفسُ تَهفُو وَإِن أَودَعتَهَا الخُيَلَا
كَم نَاصِحٍ قَد بَدَا نُصحًا لَهَا عَذَلَا
وَالنَّفسُ كَالطَّفلِ إِن تُهمِلهُ شَبَّ عَلَى • حُبِّ الرَّضَاعِ وإِن تَفطِمهُ يَنفَطِمِ
مُحَمَّدٌ أَفضَلُ الأَملَاكِ وَالرُّسُلِ
وَدِينُهُ أَقوَمُ الأَديَانِ فِي المِلَلِ
دَبَّجتُ قَولِي، ولَم أَصرِفهُ عَن عَمَلِي
أَستَغفِرُ ٱللهَ مِن قَولٍ بِلَا عَمَلِ • لَقَد نَسِبتُ بِهِ نَسَلًا لِذِي عُقُمِ
مُحَمَّدٌ فِي خِصَالِ الفَضلِ مُنفَرِدُ
عَلَى شَفَاعَتِهِ فِي الحَشرِ أَعتَمِدُ
لَهُ اللِّوَاءُ بِيَومِ الحَوضِ مُنعَقِدُ
نَبِيُّنَا الآمِرُ النَّاهِي فَلَا أَحَدُ • أبَرَّ فِي قَولِ (لَا) مِنهُ وَلَا (نَعَمِ)
مُحَمَّدٌ شَرعُهُ تَعلُو مَكَانَتُهُ
هُوَ الهُمَامُ الَّذِي شَاعَت مَهَابَتُهُ
هُوَ المُجِيبُ مَتَى نَادَت جَمَاعَتُهُ
هُوَ الحَبِيبُ الَّذِي تُرجَى شَفَاعَتُهُ • لِكُلِّ هَولٍ مِنَ الأَهوَالِ مُقتَحَمِ
مُحَمَّدٌ مِنهُ نَرجُو عَذبَ مَشرَبِهِ
مَحَا الضَّلَالَ بِحَقٍ غَيرِ مُشتَبَهِ
مَا فِيهِ مِن زَلَلٍ كَلَّا وَلَا شَبَهِ
دَعَا إِلَى ٱللهِ فَالمُستَمسِكُونَ بهِ • مُستَمسِكُونَ بِحَبلٍ غَيرِ مُنفَصِمِ
مُحَمَّدٌ وَجهُهُ كٱلشَّمسِ فِي الأُفُقِ
وَكَفُّهُ فِي العَطَا كَاليَمِّ فِي الغَدَقِ
سُبحَانَ مَن آثَرَ المُختَارَ مِن أَلَقِ
فَاقَ النَّبِيِّينَ فِي خَلقٍ وَفِي خُلُقِ • وَلَم يُدَانُوهُ فِي عِلمٍ وَلَا كَرَمِ
مُحَمَّدٌ فِي العُلَا أَعلَى أَمَاكِنِهِ
أَعطَاهُ رَبِّي عَطَاءً مِن خَزَائِنِهِ
هُوَ الفَرِيدُ كَمَالًا فِي مَيَامِنِهِ
مُنَّزَّهٌ عَن شَرِيكٍ فِي مَحَاسِنِهِ • فَجَوهَرُ الحُسنِ فِيهِ غَيرُ مُنقَسِمَ
مُحَمَّدٌ خَيرُ خَلقِ ٱللهِ كُلِّهِمِ
وَعَونُهُم وَغِيَاثٌ عِندَ غَيِّهِمِ
إِن شِئتَ تَبسُطُ مَدحًا عِندَ أَيِّهِمِ
دَع مَا ادَّعَتهُ النَّصَارَى فِي نَبيِّهِمِ • وَاحكُم بِمَا شِئتَ مَدحًا فِيهِ وَاحتَكِمِ
مُحَمَّدٌ مَدحُهُ قَد جَاءَ فِي الصُّحُفِ
وَإِن مَدَحتَ طَوَالَ الدَّهرِ لَستَ تَفِي
فَاكتُب وَقُل، ثُمَّ لَا تَخشَى مِن السَّرَفِ
وَانسُب إِلَى ذَاتِهِ مَا شِئتَ مِن شَرَفِ • وَانسُب إِلَى قَدرِهِ مَا شِئتَ مِن عِظَمِ
مُحَمَّدٌ شَرَّفَ الدُّنيَا بِمَظهَرِهِ
هُوَ المُقَدَّمُ فَضلًا فِي تَأَخُّرِهِ
فَحِينَ جَاءَ بِحُكمٍ مِن مُصَوِّرِهِ
أَبَانَ مَولِدُهُ عَن طِيبِ عُنصُرِهِ • يَا طِيبَ مُبتَدَئٍ مِنهُ وَمُختَتَمِ
مُحمَّدٌ مِدحَتِي فِي جَاهِهِ قِصَرُ
وَكُلُّ طُولِ امتِدَاحٍ فِيهِ مُختَصَرُ
مَدَحتُهُ، وَإِلِيهِ المَدحُ مُفتَقِرُ
فَمَبلَغُ العِلمِ فِيهِ أَنَّهُ بَشَرٌ • وَأَنَّهُ خَيرُ خَلقِ ٱللهِ كُلِّهِمِ
مُحَمَّدٌ كَم بَدَت آيَاتُهُ وَبِهَا
زَادَ المَقَامُ لِمَن بِٱلصِّدِقِ لَازَمَهَا
إِذ فَاقَهَا أَيَّ فَوقٍ فِي مَنَاقِبِهَا
وَكُلُّ آيٍ أَتَى الرُّسلُ الكِرَامُ بِهَا • فَإنَِّمَا اتَّصَلَت مِن نُورِهِ بِهِمِ
مُحَمَّدٌ سَكَّنَ اليَحمُومَ حَرَّتَهَا
يَا وَاهِبًا زَهرَةَ ٱلأَفنَانِ نَظرَتَهَا
فَخُذ بِلُطفِكَ نَفسِي يَا مَسَرَّتَهَا
فَإِنَّ مِن جُودِكَ الدُّنيَا وَضَرَّتَهَا • وَمِن عُلُومِكَ عِلمُ اللَّوحِ وَالقَلَمِ
مُحَمَّدٌ رَبُّهُ فِي الخَلقِ جَمَّلَهُ
فِي الخُلقِ كَمَّلَهُ، بالسِّرِ فَضَّلَهُ
وَبِالهُدَى لجَمِيعِ الخَلقِ أَرسَلَهُ
فَإِنَّ فَضلَ رَسُولِ ٱللهِ لَيسَ لَهُ • حَدٌّ فَيُعرِبُ عَنهُ نَاطِقٌ بِفَمِ
خُذهَا مُخَمَّسَةً فِيهَا النِّظَامُ بَدَا
كَيمَا يُقَالَ: مُقِلٌّ خَمَّسَ البُرَدَا
بِحقِّ مَولِدِهِ وَالآلِ والشُّهَدَا
مَولَايَ صَلِّ وَسَلِّمْ دَئِمًا أَبَدَا • عَلَى حَبِيبِكَ خَيرِ الخَلقِ كُلِّهِمِ
نَظَمَهَا الأَقَل مُرتَضَى بنِ سَالِمٍ العَبدِاللَّهيِّ الفَيلِيِّ