.
ثرَّ الكلامُ في ذا المضمارِ على كونِ أنَّ القرآن قد ٱقتبسَ مِن الشعرِ الجاهِلي في بعضِ المواضعِ، و يقدِّم الباحثونَ إنموذجًا مِن شعرِ (أمية بن أبي الصلت)، متكِئينَ على قصيدتهِ التي مطلعها :
(لك الحمدُ والنَّعماءُ والمُلكُ ربنا*فلا شيءَ أعلى منكَ جَدًّا وأمجدُ) وهي قصيدة تضمَّنَت تمجيدَ اللَّهِ، وبدايةَ الخلقِ وسجودَ الملائكةِ وعصيانَ إبليس..
لستُ في صددِ ذكر التوارد المزعوم بقدر تحليل الالتباس الذي وقع فيه الكثيرُ من الباحثين والمفسرين على حدٍّ سواء، لذا أقول في المقام ..
اعلم يا أعزكَ اللَّه إِنَّ اللغة العربية وأعني ما تضمنَتهُ من ألفاظٍ ومعاني وأجناس البلاغة، ليسَت حكرًا على أحدٍ دونَ سواه، فألفاظها مباحةٌ، فلو ابتدعَ أحدٌ تشبيهًا وشاعَ بين الناس وتداولوه، صارَ ذلك في رصيدِ اللغة، فحُقَّ للاحقِ أن يأخذَ مِن السابق، فحين شبَّه (امرؤ القيس) النساءَ ببيضِ النعامِ، في معلقتهِ حين قال (وبيضةُ خدرِ لا يُرامُ خباؤها) صارَ ذلك في رصيد اللغة، مع أَن له السبقَ في ذلك، لكن تداولت الأعراب ذلك التشبيه فصارَ بمثابة قُم حين تطلب من أحدٍ القيام، علاوةً على ذلكَ إِنَّ القرآن العظيم لم ينزلْهُ اللَّه بلغةٍ غير مألوفةٍ ولو شاءَ فَعَل، فقد جاءَ في القرآن الكريم في سورة الصافات ((كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ٤٩))، وكلُّنا نعلمُ بأنَّ الحقَّ أنزلَهُ بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ، هذا يعني أنَّه ٱستعملَ ما هو متداوَلٌ لديهِم، بل وأكثر من ذلك، فإنَّه جاءَ بما كان شائعًا لديهم، فلا عجبَ أن جاء بما قاله (امرؤ القيس) بعد أن صار كلامه جزءًا من اللغة وهو ٱبنها، وذلك مِن حيث اللفظ.
أما مَن قالَ بأنَّ القرآنَ قد ٱقتبسَ من شعرِ (ٱبنَ أبي الصَلت)، فينبَغي عليهِ أولًا أن يَعرفَ عقيدَةَ الشاعر، فهو لَم يكُن وثنيًّا وهذا واضحٌ في شعرِه، وكانَ متأثرًا بالتوراةِ وبالإنجيلِ، وهذا يعني أنه يؤمِن بالبعثِ والحسابِ وحتى بدايةِ الخلقِ وخلقِ آدمَ "ع" وسجود الملائكة، وطرد ابليس، فقد وردَ ذلك في كتب الأولينَ، والقرآن الكريم يثبت ذلك حيث جاء في سورة الشعراء ((وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ١٩٦)). اه .
.
#كشاجم_مرتضى_فيلي
#murtadhafaili